إن تطور بحوث التوحد حول العالم لأمر يثير الإعجاب. يُنشر أكثر من 6000 منشور أصلي عن هذا الموضوع كل عام في المجلات، ناهيك عن الكتب والفصول، برئاسة لجنة علمية للاختيار.
يمس البحث عن التوحد جميع المجالات غير أنَّ ما يهيمن عليه هو البعد السببي للأمراض والطب الحيوي وعلم الوراثة وعلم النفس العصبي والكيمياء الحيوية العصبية وعلم وظائف الأعضاء العصبية. ينشر كل أسبوع موقع Spectrum التابع لمؤسسة سيمونز (Simons Foundation)، آخر الأخبار عن بحوث وتطبيقات التوحد وهو موجه للجمعيات والأخصائيين على حد سواء. لا تشير هذه المجلة الموجزة إلا إلى أهم النتائج وتدرج فيها قائمة المراجع ليتسنى للجميع التعمق في الموضوع.
يُنظر إلى اضطرابات طيف التوحد (TSA) بشكل متزايد على أنها تعبير عن تغيير أو لانمطية على مستوى التشابك العصبي ونمو الاتصال العصبي وكذا الشبكات العصبية.
يمكن أن تحدث هذه التغيرات في وقت مبكر (حتى قبل الحمل) من خلال الاختلافات الوراثية وتحت تأثير العوامل البيئية، وتتسبب في اختلافات في النمو على مستوى الدماغ، والتي تؤدي بتراكمها عند الفرد إلى اضطرابات طيف التوحد (TSA) و/أو اضطراب آخر في النمو العصبي (TND).
تقسم هذه الاختلافات الوراثية (الطفرات والحذف والانتقال) بصورة عامة إلى نوعين:
ومع ذلك، فإن هذه الاختلافات الجينية( CNV و SNP) لا تقتصر على التوحد فحسب، فهي تشكل عوامل خطر إضافية لاضطراب النمو العصبي أو اضطرابات نفسية أخرى مثل الفصام والاضطراب ثنائي القطب، ما يشير إلى آليات متقاربة مسببة للأمراض. تعد الطفرات في العوامل التنظيمية للكروماتين وفي عوامل النسخ من بين أهم الأسباب الجينية الشائعة لاضطراب النمو العصبي TND. تم إدراج أكثر من 150 عاملا في قاعدة بيانات SFARI (مبادرة مؤسسة سيمونز لأبحاث التوحد).
تم تسليط الضوء على آليات أخرى غير معروفة بشكل كبير، على غرار الاختلافات في الأجزاء غير المشفرة من الجينات أو الطفرات المُغلطة لدى الأشخاص المصابين بالتوحد.
علم ما فوق الجينات هو عبارة عن دراسة التعبير الجيني دون إحداث تغيير على بنية الجينات. يتم ذلك بشكل أساسي عن طريق آلية مثيلة الحمض النووي والهستونات (فرط أو نقص الميثلة). يرتبط التعبير الجيني أو عدمه ارتباطًا وثيقًا بالبيئة.
تم إثبات آليات الوراثة اللاجينية حتى في الاضطرابات التي يحدث فيها تغيير على مستوى جين واحد (متلازمة ريت ومتلازمة كروموزوم إكس الهَشّ). تم العثور على مجموعة متنوعة من التعديلات (فرط أو نقص المثيلة)، على سبيل المثال: فرط المثيلة على مستوى المنطقة المحفزة لجين OXTR في اضطراب طيف التوحد ما يترتب عنه تعبير ضئيل عن جين ترميز هرمون الأوكسيتوسين.
ترتبط الجينات المرشحة الأخرى بما في ذلك التعبير المعدل، بـاضطراب طيف التوحد: بروتين رابط 2 (binding Protein 2)، بروتين بي سي أل-2 (BCL-2)، جين مستقبلات ألفا اليتيم (RORA)، جين ألفا (Alpha)، وجين SHANK 3، وميثيل ثنائي النوكليوتيد CpG.
تُبين دراسة الأنماط الداخلية (السمات الوراثية والموزعة بين الوالدين) أن أنواعا عديدة من الأمراض تشترك مع خصائص النمط الداخلي للتوحد التي تظهر إكلينيكيًا في بعض الأحيان، وأنه لا يوجد عامل وراثي أو عصبي أو معرفي يقتصر على التوحد وأن تلك الصفات دون السريرية منتشرة على نطاق واسع في العائلات، الأمر الذي يترتب عنه استمرارية الصفات لدى السكان الذين لا تظهر عليهم أية أعراض معززة بذلك “اللانمطية العصبية”.
من المحتمل أن يؤثر عدد كبير من العوامل البيئية على نشوء التوحد بسبب تأثيرها على المراحل المبكرة من نمو الجنين (للاطلاع على القائمة الكاملة: Cheroni et al., « Autism Spectrum Disorder at the Crossroad between Genes and Environment: Contributions, Convergences, and Interactions in ASD Developmental Pathophysiology », Molecular Autism, septembre 2020).
تذكر أيضًا عوامل خطر أخرى:
ترتبط إحدى آليات هذا التفاعل بتعدد أشكال الجينات التي تنظم الاستجابات. تم تحديد عدد كبير من متغيرات SNP في الإنزيمات المشاركة في أيض المواد الغريبة الموجودة في الجسم (الغريب الحيوي). قد يمنح البعض مقاومة لهذه المادة ولكنه يزيد، إلى جانب عوامل أخرى، من خطر الإصابة باضطراب طيف التوحد. تسمح إمكانية استخدام الخلايا الجذعية متعددة القدرات التي تنتج على مستوى الخلايا الجسدية بتوضيح آليات نمو الجهاز العصبي المركزي والعوامل التي من المحتمل أن تؤثر عليه.
يتطلب عدد هذه الاختلافات وتنوعها الشديد إنشاء نماذج منهجية لتنظيم البيانات من أجل فهم أفضل لمسارات النمو نحو تنظيم دائري وظيفيا كان أو مختلا وظيفيا. يحدث ذلك أساسا من خلال قواعد بيانات كبيرة التي يجري تنظيمها على شكل طبقات وظيفية تفاعلية (Mingfeng Li et al.,« Integrative Functional Genomic Analysis of Human Brain Development and Neuropsychiatric Risks », Science, décembre 2018)
أثبتت إلى حد الآن الأساليب السلوكية والتعليمية التي تم إدراجها في أوائل السبعينيات فاعليتها وحسّنت من الظروف المعيشية للأشخاص المصابين بالتوحد. يتمثل البحث بشكل أساسي في تنفيذ تلك الأساليب على أرض الواقع في سياقات مختلفة، وجعلها أقرب إلى إطار الحياة الاعتيادي، وأكثر تفاعلية والتزاما على الصعيد العاطفي، فضلا عن إعطاء دور أكثر أهمية للأولياء. نذكر من بينها: التدريب على الاستجابة المحورية Pivotal Response Training (PRT) وتدخل Denver المبكر (ESDS) Early Start Denver System.
يؤدي البحث الذي يُقيّم الممارسات دورًا حاسمًا في تحديد الممارسات الجيدة. تقوم العديد من المنظمات والمؤسسات بتقييم الممارسات على أساس تلك البحوث ثم تحرر التوصيات:
في الأوان الأخير ونتيجة للبحوث العصبية البيولوجية، تركز الاهتمام على بعض الأدوية:
سمح استعمال الأدوات الجينية (CRISPR) مع الجسيمات النانوية لدى فأر أكس الهش بتصحيح السلوكيات المتكررة. استُعملت هذه الأداة نفسها لاستعادة التعبير عن الجين المتحور في الخلايا الجذعية.
من بين الجمعيات الدولية المخصصة في بحوث التوحد، يمكنك متابعة أخبار الجمعية الدولية للبحث العلمي في مجال التوحد (INSAR). وضعت هذه الجمعية برنامجًا لتشجيع الباحثين الشباب في مجال التوحد.
تجدون جميع الأجوبة عن الأسئلة التي تراودكم بشأن التوحد في قسم الأسئلة المتداولة.